يعد سرطان الجلد في الوقت الراهن أكثر أنواع السرطان التي تصيب جسم الإنسان وتسجل الإحصاءات الحديثة أن أكثر من مليونين وسبعمئة وخمسين ألف حالة جديدة من هذا المرض يتم تسجيلها سنويا في مناطق العالم الجغرافية المختلفة وان ما يقرب من مليون حالة من هذه الحالات تحدث في الولايات المتحدة فقط وهذا يعكس ضخامة عدد الحالات المصابة وكبر حجم هذه المشكلة.
وقبل أن نخوض في الحديث حول هذا السرطان يجدر بنا الإحاطة ببعض المعلومات عن التركيبة التشريحية لجلد الإنسان الذي يكون مسرحا لحدوث مثل هذا النوع من السرطان حيث يتكون جلد الإنسان من طبقتين تشريحيتين تعرف الظاهرة منها بالبشرة (Epidermis) التي يبلغ متوسط سمكها 0.1 مليمتر وعلى الرغم من هذا السمك المتناهي في الدقة إلا أن هذه البشرة تتكون من خمس طبقات تشريحية ويلاحظ هذا بفحص هذه الطبقة باستخدام مجهر الكتروني قوي وتقع الطبقة الأخرى للجلد أسفل من البشرة وتعرف الطبقة الأخرى للجلد أسفل من البشرة وتعرف بالأدمة ( Dermis )ويرواح سمكها بين 6.0 و3 مليمترات وهذه بدورها تتكون من طبقتين وبفحص الجلد مجهريا نلاحظ أن لكل طبقة من طبقاته المختلفة خلاياها المكونة لها وقد تتشابه بعض هذه الخلايا بحيث توجد في أكثر من طبقة وما يهمنا بشان هذه الخلايا المكونة لطبقاته وهذا ما سنراه في معرض الحديث عن أنواع سرطان الجلد.
وللجلد الطبيعي بعض الملحقات التي تتبعه Skin Appendages) ) هذه تضم الأظفار والشعر وغدد العرق والغدد الدهنية وأوعية الدم وبعض العضلات ولكل من هذه الملحقات وظيفته الخاصة به.
ما أسباب سرطان الجلد؟
لا شك أن أسباب إصابة الجسم بالسرطان(سواء سرطان الجلد أو غيره)لا تزال مجهولة بعض الشي ولا تزال خطوات العلم بطيئة في سبر أغوار هذا الداء المجهول ألا انه في الآونة الأخيرة بدأت الرؤية تتضح وظهر ما يعرف بالعوامل المؤهبة لحدوث سرطان الجلد ومن أهمها:
– التعرض الزائد لأشعة الشمس
وهو أكثر مسبب مباشر لسرطان الجلد والعنصر المهم في أشعة الشمس الذي يسبب الضرر للجلد هو الأشعة فوق البنفسجية Ultraviolet Irradiation) ) وهي جزء من الأشعة التي تنبعث من الشمس ولها مقدرة كبيرة على اختراق الجلد وبذلك تحدث بعض التخريب في خلاياه وهذا قد يقود لاحقا إلى ظهور السرطان ومما يجدر بنا ذكره هنا أن الأشخاص ذوي الشعر الأشقر والعيون ذات اللون الفاتح أكثر عرضه لتلقي كميات اكبر من الأشعة فوق البنفسجية ومن ثم تزيد نسبة احتمال إصابتهم بالمرض وهذا يفسر سبب قلة الأعداد المصابة في المجتمعات الإفريقية التي يمتاز بنوها بلون بشرة بزيادة ساعات التعرض لأشعة الشمس فمهن المزارعين والبحارة وعمال البناء مثلا تتطلب منهم وقوفا طويلا تحت أشعة الشمس وهذا يزيد نسبة حدوث المرض.
لم يعرف العلم الحديث حتى الآن الطريقة التي تخرب بها الأشعة فوق البنفسجية خلايا الجلد وتسبب إصابتها بالسرطان إلا أن هناك بعض المقترحات منها :أن هذه الأشعة تعمل على تخريب الحمض النووي D.N.A داخل خلايا الجلد كما أنها تعطل نشاط جهاز المناعة في الجسم وهذا ما يؤدي إلى ظهور الخلايا السرطانية.
ويظهر على الساحة هنا سؤال مهم وهو:
لماذا كثرت في السنوات الأخيرة أعداد المصابين بسرطان الجلد؟ وهل لأشعة الشمس علاقة بذلك؟
والجواب: نعم فان أصابع الاتهام تتجه إلى التطور الكبير الذي شهدنه الصناعة العالمية في الآونة الأخيرة والذي كان له تأثير سلبي في صحة البيئة وهذا ما أدى إلى ظهور كثير من المشكلات البيئية وما يهمنا هنا التأثير السلبي لهذه الصناعات في طبقة الأوزون وهي طبقة تعمل على حماية كوكب الأرض من تأثير الإشعاعات الشمسية الضارة وقد تضررت هذه الطبقة بتأثير بعض الصناعات الحديثة وهذا ما أدى إلى إحداث ما عرف لاحقا بثقب الأوزون وهذا الأمر أدى بدوره إلى السماح بكمية اكبر من أشعة الشمس بالوصول إلى كوكب الأرض.
– التعرض المستمر للأشعة المتأنية
قد يؤدي التعرض المستمر للأشعة المتأينة (Ionizing Radiation ) أشعة اكس (X-ray ) إشعاعات ماجة الراديوم الإشاعات الطبيعية أو الصناعية من المواد المشعة النشطة إلى إصابة الجلد بالسرطان وأكثر الأسباب المفسر لذلك إقناعا من الناحية الطبية ان هذه الأشعة تؤدي إلى ما يعرف بالتهاب الجلد الإشعاعي Radiation Dermatitis وهذا الالتهاب يتطور بدورة إلى سرطان مع مرور الزمن إلا ان هذا يستغرق زمنا طويلا يصل إلى خمس وعشرين سنة.
– التأثيرات الجانبية لبعض المواد الكيماوية
لبعض المواد الكيماوية تأثيرات سلبية في صحة الإنسان بصورة عامة وفي الجلد بصورة أدق ولا سيما تعرضه للإصابة بالسرطان ومن أشهر الكيماويات المتهمة في إحداث هذا التأثير:الهيدروكربونات الحلقية Polycyclic Aromatic Hydrocarbons وهي مواد موجودة في الفحم والإسفلت وشموع مادة البرافين وفي بعض زيوت التشحيم والصناعات والمادة الأخرى في هذا المجال:الزرنيخ Arsenic وكانت هذه المادة تدخل في السابق في تركيب بعض الأدوية كما أن المياه الجوفية قد تتلوث بها وتدخل كذلك في بعض الصناعات كصهر المعادن وتنقيتها وما يهمنا أن تعرض الجلد للزرنيخ يعد من العوامل التي تسبب إصابته بالسرطان.
– تقرحات الجلد المزمنة
قد يصاب جلد الإنسان في بعض الأحوال ببعض التقرحات المزمنة نتيجة الإصابة بحرق عميق أو الإصابة بمرض الدوالي وهناك دراسات ترى أن هذه القروح قد تتحول إلى سرطان جلدي إلا أن هذا إن حدث فانه يحتاج إلى مدة زمنية طويلة.
– العوامل المناعية
من المعروف ان جهاز المناعة في الإنسان يقوم على حمايته من الوقوع فريسة لكثير من الأمراض وهذا الجهاز يعمل كمصيدة تمنع البكتيريا من غزو الجسم وإحداث الضرر به ومن مهامه الأخرى انه يقلل من الهجوم الكاسح لخلايا السرطان وهذا يعيق انتشارها في الجسم وتكاثرها ولذلك فان حدوث خلل مناعي في هذا الجهاز يؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بأمراض السرطان المختلفة ومنها سرطان الجلد ومن أهم أسباب ضعف مناعة الجسم : الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب(الايدز)وزراعة الأعضاء في الجسم وتناول الأدوية المضعفة للمناعة.
– الأمراض الوراثية
يتصاحب حدوث سرطان الجلد مع عدد من الأمراض الوراثية وهذا قد يشجع على قبول نظرية ان هذه الأمراض سبب من أسباب سرطان الجلد ومن تلك الأمراض:المهق Albinism وهو مرض جلد يتصف بلون فاتح للبشرة والشعر مع شدة الحساسية لأشعة الشمس ومنها مرض جفاف الجلد Xeroderma Pigmentosum وهو مرض جلدي آخر يساعد على إصابة الجلد بالسرطان.
– النمط الشخصي والعرق
يقصد هنا بالنمط الشخصي والعرق:وجود عوامل معينة في تركيبة الجسم الداخلية وهذه العوامل قد تكون سببا في إصابته بأمراض معينة والذي يخص سرطان الجلد من تلك العوامل ان بعض الأعراق تصاب بسرطان الجلد بنسب تفوق أعراقا أخرى ولا يعرف السر في ذلك إلا ان التفسير المنطقي هنا يقول ان لكل عرق تركيبته الخاصة به ونمطا تنظيميا معينا للجسم وهذا ما يجعل عرقا ما عرضة لمرض معين بنسبة اكبر ومن الشعوب التي تكثر فيها أعداد المصابين بسرطان الجلد :سكان دول ايرلندا واسكوتلندا ومقاطعة ويلز.
– الأمراض التي تسبق حدوث السرطان يكثر استخدام مصطلح(حالة ما قبل السرطان) Precancerous Condition من قبل العلماء المتخصصين في علاج داء السرطان ويقصد بهذا المصطلح الإصابة بمرض ما يتطور بمرور الزمن ويتحول إلى سرطان في حال تأخر تشخيصه وعلاجه وهناك بعض الأمراض التي تعرف بأنها حالات مرضية لما قبل سرطان الجلد ومن أكثرها حدوثا مرض التقرن الشمسي Solar Keratosis وهو مرض يصيب الجلد وأكثر سبب لحدوث هذا المرض هو التعرض الزائد لأشعة الشمس وهذا يؤدي إلى حدوث تفاعلات التهابية في الجلد وتبلغ نسبة الحالات التي تتحول من هذا المرض إلى سرطان الجلد:1000.1 .
ما أنواع سرطان الجلد؟
يمكننا تقسيم سرطان الجلد إلى الأنواع الاتيه :
– سرطان الميلانوما
ينشا سرطان الميلانوما Melanoma من الخلايا المصنعة لصبغة الميلانين في طبقة أدمة الجلد وهو سرطان شديد الخباثة وله مقدرة كبيرة على الانتشار وغزو أنسجة الجلد بصورة سريعة ويرجع المسبب الرئيس للميلانوما إلى تعريض الجلد باستمرار إلى التأثيرات الضارة للأشعة فوق بنفسجية التي سبق الحديث عنها وهذا المرض أنماط مرضية متعددة فقد يظهر بصورة طفح جلدي ينتشر فوق مساحات كبيرة من الجلد وقد يظهر بصورة عقيدات صغيرة Nodules ذات لون اسود مميز وسرعان ما ينتشر الداء ليصيب أعضاء أخرى في الجسم كالعقدة الليمفاوية والرئة والكبد والعظام وهذا قد يهدد حياة المريض.
– سرطان الخلايا القاعدية
يعد سرطان الخلايا القاعدية Basal Call Carcinoma أكثر مرض سرطاني يحدث في جلد الإنسان وتوضح الإحصاءات الحديثة أن هذا السرطان أكثر سرطان ينصبب جسم الإنسان على الإطلاق ولا تزال أعداد المصابين به حول العالم في تزايد مستمر ومسببه الأول شانه في ذلك شان باقي أنواع سرطان الجلد –التعرض للأشعة فوق البنفسجية وينشا هذا السرطان من خلايا في بشرة الجلد تعرف بالخلايا القاعدية Basal Cells وقد ينشأ من الخلايا المكونة لبصلات الشعر أو من خلايا الغدد الدهنية وأكثر مناطق الجسم إصابة بهذا السرطان الوجه وخصوصا الأنف وحول العينين ويبدأ المرض عادة بصورة بثرة صغيرة سرعان ما تتقرح لتفرز بعض المفرزات المخلوطة بالدم وما يميز هذا الداء أن معدل نموه بطئ جدا وانه من النادر أن ينتشر في أجزاء أخرى من الجسم.
– سرطان الخلايا التوسفية
ينشا سرطان الخلايا القرنية Squamous Cell Carcinoma من خلايا في بشرة الجلد تعرف بالخلايا القرنية Keratinocytes ويمتاز هذا السرطان بنمو وانتشار سريعين (بعكس سرطان الخلايا القاعدية) وفي الأغلب ينتشر الداء ليصل إلى الرئة والعظام والدماغ تظهر معظم الحالات في أماكن الجسم التي تتعرض بكثرة لأشعة الشمس وخصوصا الوجه والرقبة والظهر والكفين وهنا تظهر الآفات بصورة عقيدات حمراء منتشرة على الجلد المصاب وتبرز عادة حواف هذه العقيدات إلى الأعلى وقد تتقرح وهنا فان هذا التقرح يدل على الإصابة بسرطان شديد الخباثة.
أنواع أخرى من سرطان الجلد نادرة الحدوث
تحدث بعض أنواع سرطان الجلد بنسب اقل من الأنواع السابقة ومن هذه الأنواع: سرطان الأوعية الدموية للجلد حيث يوجد في جلد الإنسان شبكة من الأوعية الدموية تعمل على إمداده بعناصر الغذاء والأكسجين وقد تصاب هذه الأوعية بسرطان يؤدي إلى تظاهرات جلدية مرضية تميز السرطان.
ومن الأنواع النادرة الأخرى :سرطان الجلد ذو المنشأ الليمفاوي Lympho Reticular Origin وسرطان ملحقات الجلد وهذا قد يصيب الغدد العرقية أو العدد الدهنية أو خلايا بصيلات الشعر إلا أن جميع هذه الأورام السرطانية وان اختلف مصدرها تظهر على جلد المصاب بصورة متشابهة عادة ويبقى التشخيص النهائي لتحديد نوع السرطان من مهام الطبيب الفاحص.
كيف نشخص الإصابة بسرطان الجلد؟
هناك بعض الأسئلة التي يجب الإجابة عنها في حال اشتباه مريض ما بإصابته بسرطان في الجلد ففي بداية الأمر يجب معرفة عمر المريض لان سرطان الجلد (مثل غيره من أنواع السرطان)يكثر حدوثه لدى كبار السن مقارنه بالصغار ويجب كذلك معرفة مهنة المريض فقد سبق لنا معرفة علاقة بعض المهن بسرطان الجلد وخصوصا التي تتطلب عملا تحت أشعة الشمس لأوقات طويلة والخطوة التالية إجراء الكشف الطبي على المريض وذلك بالتأمل الدقيق للإعراض الجلدية إلى يشكو منها وقد عرفنا أن سرطان الجلد يظهر بأعراض معينة مميزة له ثم تأتي مرحلة تأكيد التشخيص واهم وسيلة لتأكيد تشخيص الإصابة بسرطان الجلد اخذ عينة من مكان الإصابة وفحصها مجهريا لان للخلايا السرطانية مظهرا يميزها تحت المجهر عن الخلايا الطبيعية ويمكن بهذه العينة تحديد نوع السرطان ومعرفة الخلايا التي نشأ عنها.
الدكتور حذيفة أحمد الخراط
طبيب واختصاصي جراحة – سوريا
نقلا عن مجلة الفيصل العلمية
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!